مکانة الفلسفة والمنطق عند الشيخ محمد الطاهر بن عاشور

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الفلسفة الإسلامية المساعد بکلية دار العلوم - جامعة الفيوم.

المستخلص

الحمد لله رب العالمين حمدا يليق بجلاله وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين مُحَمَّدٍ بنِ عبد الله المبعوثِ رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين..ثم أما بعد:
فمنذ أن نشطت حرکة الترجمة في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري - العصر العباسي الأول على الأرجح - التي تم على إثرها نقل فلسفة اليونان من اللسان اليوناني إلى العربي عبر السريان، وانتشار الدراسات حولها داخل البيئة الإسلامية، تباينت المواقف واختلفت الرؤى تجاهها بين معارض ومؤيد، وثالث يرى التوسُّط في الأمر.
فالمعارضون لها، رأوا فيها مخالفة لأسس العقيدة الإسلامية، من القول بقدم العالم، وإنکار علم الله للجزئيات دون الکليات، وکذلک القول ببعث الأرواح دون الأجساد . مما شجع على معادتها ومحاربة تعلُّمها وتعليمها في آنٍ واحد. وقد کان جلُّ المعارضين لها من قبل التيار السلفي من المحدثين والفقهاء.
وأما المؤيدون لها فقد رأوا فيها تشجيعا على النظر وإعلاءً لمکانة العقل. ويؤخذ على هذا الفريق غلوُّه في المدح والتأييد لها مع غض الطرف عن المسائل التي خرجت بها الفلسفة عن أسس العقيدة.
وأخيرا وجد تيارٌ ثالث توسَّط بين الأمرين: المعارض والمؤيد، مؤکدا - بداية - على نبذ کل ما خرجت به الفلسفة عن أسس العقيدة الإسلامية، ومؤکدا في الوقت ذاته على أن هذه الخروقات الفلسفية ليست سوى أخطاء فردية صدرت عن بعض الفلاسفة، الأمر الذي يجعل اتهام الفلسفة برمتها بتلک الاتهامات مجانبا للصواب والعدالة في الحکم، وأنه التهافت الذي وسمت به لا ينسحب عليها، بل ينبغي وسم أصحابه به.