يــعد محمد أرکون صاحب مشروع فکري ضخم فهو مفکر طليعي في مجال علم الإسلام ودراساته، من حيث أنّه يستخدم کل معــارف ومناهج علوم الاجتماع والدراسات الإنسانية ويوظفها في تحليل ونقد الفکر الإسلامي، فقد وظف البنيوية والأنتربولوجيا ومناهج تحليل الخطاب أو ما يعد البنيوية في تشکيل نظرته الخاصة للإسلام والعقل الإسلامي. وهو من المفکرين القلائل في العالمين العربي والإسلامي الذين يملکون مشروعا فکريا حقيقيا يتجاوز إطار الجامعة والدراسات الأکاديمية ليصب في هم التحديث والتنوير الذّي طالما شغل رواد النهضة العرب به منذ نهاية القرن التاسع عشر. وينتمي أرکون من الناحية المعرفية إلى جيل فرنسي عالي المستوى في ثقافته وإبداعاته ومناهجه وفلسفاته، فقد استفاد حتماً من تجارب ومنجزات کل من «ميشيل فوکو» و«فرنسوا فوريه» و«بيير بورديو» وغيرهم، من الذّين أحدثوا ثورة منهاجية وابستيمولوجية في الفکر الحديث فأراد أن ينحو مثلهم في دراسته وکتاباته ولکن عن الفکر الإسلامي. لقد بدأ أرکون بحوثه حول التراث الإسلامي مبکراً في حياته العلمية، فقد أدرک من البداية أن الدراسات حول الإسلام ما تزال قاصرة عن بلوغ المستوى العلمي الضروري لفهم التراث وتجاز معيقاته، فالقراءة الإيمائية التي أنجزها الفقهاء ومن سار على منهجهم سجنت نفسها في قفص الدوغمائية وتحولت مع مر الزمن إلى مسلمات لبست رداء النص المقدس، أما الإسلاميات الکلاسيکية والتي تشير إلى ما أنجزه المستشرقون فإنها على الرغم مما حوته من إيجابيات والتي تمثلت بالخصوص في بعثها من تحت الأنقاض ورکام السنين کبريات النصوص العربية الکلاسيکية، غير أن أدوات البحث التي اعتمدتها والتي ترکزت بالأساس على المنهجية الفيلولوجية هي التي حددت سقف ومحدودية الدقة والعمق فيما توصلت إليه من نتائج، فالبحث العلمي في التراث الإسلامي بالنسبة لأرکون يحتاج إلى أکثر من منهج، لم يکن أرکون يهتم بالمحاکمة الإتهامية والنقد الإيديولوجي لبحوث المستشرقين بقدر اهتمامه بمناهج البحث المعتمدة لديهم، فقد کان نقده الاستشراق نقدا أبستيمولوجيا لا أيديولوجيا .